عد أن بقي المرض الذي يسببه فيروس كورونا مصنفاً لشهور على أنه “وباء“، أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخراً عن تحول المرض إلى “جائحة” أو “وباء عالمي”، لكن ما الفرق بينهما، ومتى نعتبر مرضاً ما “وباءً” ومتى يسمى بالـ”جائحة”.
بالرغم من أننا نستخدم مصطلح “وباء” بشكل مغلوط لوصف العديد من الأمراض، فإننا قد نبالغ أحياناً فنصف مرضاً “متفشياً” في مجتمع ما على أنه “وباء”، وقد يكون المرض أخطر مما نتصور فنصفه بأنه “وباء” مثلاً في حين أنه “جائحة”.. فلنتعرف معاً على الفرق بين هذه المصطلحات كما ورد في موقع VeryWell Health الأمريكي.
كورونا وباء عالمي (جائحة) فما الفرق بين الجائحة والوباء؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية الوباء بأنه “انتشار مرض بشكل سريع في مكان محدد”، أما الوباء العالمي أو ما يسمى (الجائحة) فهو “انتشار الوباء بشكل سريع حول العالم”.
ويجب أن يكون المرض معدياً لتحقيق شروط وصفه بالوباء، فانتشار النوبات القلبية مثلاً لا يعد وباء، كما أن وصف الوباء لا يعني بالضرورة أن المرض فتاك، أو سيوقع الكثير من الضحايا.
بالرغم من أن علم الأوبئة يضع حدوداً دنيا نستطيع عندها تصنيف مرض ما على أنه تفشٍّ أو وباء أو جائحة، إلا أنه كثيراً ما يتم الخلط بين هذه المصطلحات حتى بين علماء الأوبئة أنفسهم.
وذلك لأن بعض الأمراض قد تصبح منتشرة أكثر أو مميتة أكثر بمرور الوقت، بينما يقل انتشار وخطورة أمراض أخرى، ما يجبر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على تعديل نماذجها الإحصائية.
وبعد أن بقي فيروس كورونا لشهور مصنفاً على أنه “وباء”، صنفته منظمة الصحة العالمية مؤخراً على أنه “وباء عالمي” أو “جائحة”.
تصنيف الأمراض بحسب علم الأوبئة
علم الأوبئة هو أحد فروع الطب الذي يدرس مدى انتشار مرض ما، والمساحة الجغرافية التي يتفشى فيها المرض، وطرق السيطرة عليه.
وعندما يحدد هذا العلم تعريفاً معيناً للمرض يؤخذ عاملان مهمان بعين الاعتبار:
1- نمط وسرعة انتقال المرض، المعروف باسم “معدل التكاثر”.
2- عدد السكان المعرضين لخطر الإصابة.
وبعد أن يدرس الباحثون في علم الأوبئة المرض بشكل جيد ويحددون مدى هيمنته (أي نسبة الناس المصابين بالمرض) وآثاره وانتشاره، يصنفونه إما على أنه مرض متقطع، أو عنقودي، أو متوطن، أو مفرط التوطن، أو وباء أو تفشٍّ أو جائحة.
لكن ما الفرق بين هذه التعريفات؟
تصنيف الأمراض من الأقل إلى الأكثر خطورة
عنقودي: يشير هذا المصطلح إلى الأمراض التي تحدث عادة بأعداد أكبر من الأمراض المتقطعة، وعادة ما تكون أسباب هذا النوع من الأمراض غير مؤكدة.
مثال على ذلك: تزايد حالات السرطان التي يُبلغ عنها بعد كوارث المحطات النووية أو الكيميائية.
المرض المتقطع: يشير هذا المصطلح إلى مرض نادر الحدوث، أو يحدث عادة، لكن بشكل غير منتظم.
من الممكن أن تكون البكتريا أو العصيات المعوية مثل السالمونيلا، أو الإشركية القولونية من مسببات الأمراض التي توصف عادة بالأمراض الـ”متقطعة”.
مفرط التوطن: يشير إلى مرض موجود باستمرار وبمستويات مرتفعة بين مجموعات سكانية محددة أكثر مما يوجد في مجموعات سكانية أخرى.
على سبيل المثال، فيروس المناعة البشري HIV مفرط التوطن في أجزاء من إفريقيا، حيث يوجد العديد من البالغين المصابين بالمرض، تصل نسبتهم لواحد من بين كل 5 أشخاص بالغين، ومتوطن في الولايات المتحدة، حيث يوجد مصاب من بين كل 300 فرد تقريباً.
متوطن: يشير إلى الوجود المستمر أو الانتشار المعتاد لمرض ما بين سكان إحدى المناطق الجغرافية.
وباء: يشير المصطلح إلى زيادة مفاجئة في عدد حالات مرض ما أكثر من المتوقع في الطبيعي.
الجائحة (وباء عالمي): تشير لوباء ينتشر في العديد من الدول أو القارات ويصيب عادة عدداً كبيراً من الناس.
التفشي: يحمل نفس تعريف الوباء، لكنه عادة ما يستخدم في وصف أحداث في مناطق جغرافية محدودة أكثر.
الجائحة مقابل التفشي
يدرك علماء الأوبئة أن هناك مصطلحات معينة تؤدي إلى الفزع، لذلك لا يمكن أن يطلق مصطلح “جائحة” على مرض ما إلا إذا كان محققاً لشروط الجائحة فعلاً.
فعلى سبيل المثال، عندما انتشر فيروس زيكا في عام 2016، وأطلقت صافرات الإنذار في الولايات المتحدة عندما انتقل المرض محلياً إلى 218 شخصاً في ولاية فلوريدا، و6 أشخاص في تكساس، لم يطلق على المرض أنه “وباء” أو “جائحة” إنما سمي “تفشٍّ”.
أما مع فيروس نقص المناعة HIV، وهو مرض انتشر في معظم أجزاء الكوكب، فقد استُخدم مصطلح الجائحة بدلاً من مصطلح وباء، في ظل التوزع الواسع النطاق للعلاج الفعال وقلة معدلات الإصابات في بعض المناطق التي كان فيها المرض منتشراً.
على الجانب الآخر، بينما تصبح الإنفلونزا أكثر تسبباً في الأمراض عاماً بعد عام، سوف يشير مسؤولو الصحة عادة لـ”التفشيات” الموسمية بمصطلح “الجائحة”، خاصة تفشي فيروس H1N1 في عام 2009، الذي أصاب أكثر من 60 مليون أمريكي، ما نتج عنه 274,304 حالات حجز في المستشفى، و12,469 حالة وفاة.
لا يشير هذا إلى أننا نتعامل مع الجائحات بنفس الأسلوب الذي نتعامل فيه مع التفشي على سبيل المثال، ففي حالة الجائحة نحن بحاجة إلى التعاون الدولي.
وعلى الجانب الآخر، يمكن للتفشي أن يتطلب علاجاً بنفس القوة التي تتطلبها الجائحة، إذا كان من المحتمل أن يخرج عن حدوده، مثلما يمكن أن يحدث مع فيروس الإيبولا.
مراحل الجائحة
بينما توجد خطوات إجرائية تتبعها مراكز السيطرة على المرض لتقييم وتصنيف الأحداث المرضية، لكن المراحل الحقيقية للوباء قد تتغير بناءً على طرق الإصابة بالمرض، والعديد من العوامل الأخرى المتعلقة بالدراسة الوبائية للمرض.
فإذا تحدثنا عن الإنفلونزا على سبيل المثال، نجد أن منظمة الصحة العالمية قد وضعت خطة من 6 مراحل في عام 1999، توضح فيها الاستعدادات اللازمة في كل مرحلة لمواجهة جائحة الإنفلونزا.
وكان الهدف من الخطة هو التنسيق لردة الفعل العالمية عن طريق تقديم مخطط للدول ترسم من خلاله استراتيجياتها المحلية وفقاً للموارد المتاحة.
ويمكن تطبيق النموذج الأساسي نفسه على أوبئة أخرى مثل السل، والملاريا، وفيروس زيكا.
وقد ركزت هذه الخطة على جائحات الإنفلونزا فحسب، نظراً لمعدل طفراتها المرتفع، وقدرة الفيروس على الانتقال من الحيوانات إلى البشر.
مراحل منظمة الصحة العالمية لجائحة الإنفلونزا
المرحلة الأولى هي المرحلة التي لا توجد فيها بلاغات عن تسبب الفيروسات (التي تنتقل عبر الحيوانات) في إصابة بشرية.
المرحلة الثانية هي أول مستويات التهديد التي يتأكد فيها أن أحد الفيروسات انتقل من حيوان لإنسان.
المرحلة الثالثة عندما تتأكد حالات متفرقة أو مجموعات صغيرة من المرض، لكن الانتقال من بشر لآخر لم يحدث بعد، أو أنه يعد غير خطير ولن يسبب تفشي المرض.
المرحلة الرابعة هي النقطة التي يتسبب فيها انتقال الفيروس من إنسان لآخر، أو أن الفيروس البشري الحيواني، يتسبب في تفشٍّ مجتمعي واسع.
المرحلة الخامسة عندما يتسبب انتقال الفيروس من بشر لآخر في انتشار المرض على الأقل في دولتين.
المرحلة السادسة هي النقطة التي يُعلن فيها أن المرض أصبح وباءً نظراً لانتشاره في دولة أخرى على الأقل.
قد يختلف الإطار الزمني لكل حالة اختلافاً كبيراً، ليتراوح من أشهر لعقود.
لن تصل جميع الأمراض للمرحلة السادسة، وربما تعود بعض الأمراض إلى مراحل سابقة إذا ضعف الفيروس تلقائياً.
الجائحات البارزة في التاريخ
بالإضافة إلى فيروس كورونا، الذي صنف حديثاً على أنه جائحة وإلى فيروس نقص المناعة HIV، الذي قتل أكثر من 39 مليون شخص منذ عام 1982، كانت هناك جائحات لها نفس التأثير المدمر عبر التاريخ:
- كان طاعون جستنيان في عام 541 ميلادياً سببه الطاعون الدبلي الذي حصد أرواح 25-50 مليون شخص في عام واحد.
- قتل الطاعون الأسود أكثر من 75 مليون شخص في الفترة من 1347 وحتى عام 1351، إذا تضمن التعداد من ماتوا في أراضي الشرق الأوسط، والصين، والهند، بالإضافة إلى أوروبا.
- قتلت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918 أكثر من 50 مليون شخص في عام واحد، من بينهم 675 ألف أمريكي.
- حصدت جائحة الجدري في القرن العشرين بين 300 وحتى 500 مليون روح.
- تستمر جائحة السل الحالية في قتل 1.5 مليون شخص كل عام. بالرغم من توفر علاجات فعالة، فإن مقاومة العديد من الأدوية قوَّضت الجهود لوقف تطور الجائحة.
تعليقات
إرسال تعليق