رمضان هو شهر الصوم والطاعة والعبادة وهو الشهر الذي ينتظره جميع المسلمين بفارغ الصبر، في جميع أنحاء الأرض ليمارسوا الركن الثالث من أركان الإسلام وهو الصيام.
في شهر رمضان يمتنع الصائم عن جميع شهواته من الطعام والشراب وكل المحرمات التي يقوم بها، كذلك الامتناع عن العلاقة الحميمة مع الزوجة، حيث يرى الكثير من الأزواج أن رمضان هو اعتزال لمتع الحياة وزينتها، وهو ما يعتبر على خلاف الواقع بحيث يعد رمضان فرصة لتجديد المشاعر والرومانسية بين الزوجين.
إذا كانت الشريعة الإسلامية تمنع على الزوجين ممارسة علاقتهما الحميمة في فترة الصوم، يجب الإشارة إلى أن هذا المنع هو منع مؤقت، أي في الفترة ما بين آذان الفجر والمغرب. ويبقى متسع من الوقت يمتد من المغرب إلى الفجر لتوطيد الصلة بين الزوجين وممارسة العلاقة الجنسية.
حكم الجماع في أيام الصيام
حرّم الإسلام الجماع في أيام الصيام بين الزوج والزوجة خلال شهر رمضان المبارك، وجاء ذلك خلال نص قرآني في سورة البقرة، وقد كان الحكم في أول الإسلام إباحة الجماع في ليالي رمضان ما لم ينم، فإذا نام حرم عليه الجماع، ولو استيقظ قبل طلوع الفجر، ثم خفف الله تعالى هذا الحكم وأباح الجماع في ليالي رمضان مطلقا، وقد دل على ذلك قول الله تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )، البقرة/187.
حكم من قام بالجماع في شهر رمضان المبارك
يعتبر الجماع من مفسدات الصيام وأجمع العلماء على ذلك كفارة الجماع، وقد جاء ذلك بالحديث الشريف، فما هي كفارة الجماع في الإسلام؟
كفارة الجماع هي عتق رقبة، فمن لم يجد ما يعتق به فعليه صيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع الصوم فعليه إطعام ستين مسكيناً، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ: “بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ (وعاء يشبه القفة)، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ (أي ما بين طرفي المدينة) أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ” (رواه البخاري ومسلم).
متى يُفضل ممارسة العلاقة الحميمة خلال رمضان؟
لا يُستحب ممارسة العلاقة الجنسية بين الزوجين مباشرةً بعد أذان المغرب وقبل الإفطار، حيث يكون الجسد في حالة إرهاق وتعب، كما أن مستوى السكر في الدم يكون منخفض جداً ولا تكون الدورة الدموية في وضعها الطبيعي.
نتيجة لذلك لا يصل الدم إلى الأعضاء التناسلية بالشكل الكافي لحدوث الإثارة لدى المرأة أو حدوث الإنتصاب لدى الرجل، مما يؤدي إلى عجز جنسي مؤقت قد ينعكس سلباَ على نفسية الزوجين.
ولا ينصح به بعد الإفطار مباشرة، لأنه قد يؤدي إلى متاعب، منها عسر الهضم، والإحساس بالتخمة، نتيجة التعطل المؤقت للجهاز الهضمي طوال فترة العلاقة، وعدم نجاح العلاقة الجنسية نفسها، بالإضافة إلي الإحساس بالإجهاد السريع، لذلك ينصح بالانتظار لمدة من ساعتين إلى ثلاث ساعات، على أن يكون الوقت المناسب للعلاقة الحميمية مع الزوجة هو بعد الإفطار بثلاث ساعات وحتى وقت السحور.
لذلك يُعتبر الوقت المناسب لممارسة العلاقة الحميمة في رمضان بعد صلاة العشاء حيث تصبح الأجواء هادئة ومُهيئة، ويظل لديكما الوقت الكافي لممارسة الجنس إلى حين موعد آذان الفجر.
الإغتسال من الجنابة في رمضان
يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أحكام الشريعة الإسلامية السمحة توجز تأخير الغسل من الجنابة إلى ما بعد طلوع الفجر، وهذا لا يُؤثّر في صحَّة الصيام. لذا لا تقلقي إذا غلبكما النعاس بعد ممارسة الجنس.
كيف تؤثر العادات الغذائية على الحياة الجنسية في رمضان؟
الطعام ينعكس بصورة كبيرة على الكفاءة الجنسية، تجنبي ممارسة الجنس بعد وجبة الإفطار مباشرة وخاصة إذا كانت وجبة دسمة، تتوجه كل أجهزة الجسم حينها للمساعدة في عملية الهضم ويزداد الإمداد الدموي للجهاز الهضمي.
من أمثلة الأغذية التي تساعد على نشاط العلاقة الجنسية للرجل والمرأة نجد البصل والثوم.
أجل، هل تعلمي سيدتي إن إضافة البصل والثوم للطعام يساعد في تعزيز صحتكِ الجنسية؟ فالبصل والثوم يساهمان في تقوية الأجهزة التناسلية لكلا الجنسين، كما إن البصل يحتوي على عنصر الكروم الذي يساعد في تنظيم نسبة السكر في الدم، ويساهم أيضاً في إنتاج الكولسترول الجيد في الجسم. الأمر الذي يزيد مستوى هرمون التستوستيرون لدى الرجال.
احرصي على تناول الفواكه والخضروات الطازجة خلال شهر رمضان، فهذه الأطعمة توفر لجسمكِ العناصر الغذائية الأساسية والفيتامينات والمعادن اللازمة لصحة جنسية جيدة.
يجب ألا تخلو مائدتكِ الرمضانية من المأكولات البحرية، كأسماك الماكريل والتونة والسلمون والسمك المشوي التي تحتوي على كميات عالية من أحماض الأوميجا 3 الدهنية الضرورية لصحة الدورة الدموية.
الأمر الذي من شأنه تحسين العلاقة الجنسية عن طريق تعزيز تدفق الدم للأعضاء التناسلية لكل من الرجل والمرأة.
المكسرات جزء لا يتجزأ من العادات الغذائية في رمضان وهي أيضاً مفيدة للصحة الجنسية، حيث أنها تحتوي على الدهون الصحية المفيدة، كما تحتوي على الزنك والسيلينيوم وفيتامين E وهذه العناصر ترتبط بإنتاج الهرمونات الجنسية عند الرجال، كما تعمل كمنشط جنسي للنساء مما يعزز الرغبة الجنسية بشكل عام.
إذا كنتِ تخططين لإبقاء حياتكِ الجنسية نشطة خلال شهر رمضان، فإليكِ هذه النصائح بعض النصائح المهمة خلال شهر رمضان المبارك:
- الحفاظ على نمط حياة صحي ونظام غذائي متوازن ومحاولة ممارسة القليل من التمارين الرياضية، حتى لو كان المشي لنصف ساعة خلال شهر رمضان.
- احرصي أنتِ وزوجكِ على تناول نظام غذائي يساعد على تعزيز الصحة الجنسية خلال شهر رمضان للحفاظ على علاقة جنسية مثالية لا تتأثر بإجهاد الصوم.
على عكس الشائع فإن العلاقة الحميمة المنتظمة بين الزوجين مستحبة في شهر رمضان، فهي تقوي الصلة بين الزوجين وتحسن الحالة المزاجية والنفسية وتزيد القدرة على تحمل مشاق الصوم والعبادة طوال شهر رمضان.
- لا يجب الزوجة التأجيل بحجة التعب أو الإنهاك لأن عناد الزوجة في التأجيل لما بعد رمضان سيزيد من حدة التوتر والضيق بينهما وسيؤدي إلى اضطراب العلاقة فيما بعد.
- تجنبي البدء بممارسة العلاقة الحميمة قبل وقت قصير من آذان الفجر، ذلك لتجنب التشتت والخوف من إقتراب حلول موعد الإمساك، مما يتسبب في عدم الرضا الكامل للطرفين عن العلاقة إذا اضطررتما إلى إنهائها قبل بلوغكما للذروة والنشوة الجنسية.
- استغلي هذا الشهر أنتي وزوجك لبدء صفحة جديدة في حياتكما تكون مبنية على الحب والرضا، ومراعاة كل طرف للآخر، والتغاضي عن هفواته الصغيرة، فيرى الكثير من خبراء الاجتماع أنه يحل للزوجين التعبير عن رومانسيتهما خلال شهر رمضان لكن فيما يتعلق بالعلاقة الخاصة، فينبغي ألا تنقطع في رمضان، لأن غضب بعض الأزواج ينتج أحيانا بسبب انقطاع المشاعر الحميمية.
- اعملي على تجديد الحب بينك وبين زوجك من خلال المودة والرحمة، فالرومانسية بين الزوجين ليست محرمة أو حتى مبطلة للصيام خلال نهار رمضان، بل على العكس فربما تزداد الرومانسية خلال الشهر الكريم، والناتجة عن اشتياق كل طرف للآخر.
- أكدت دراسات وأبحاث النفسية، أن الخلافات الزوجية بين الزوجين تقل نسبيا خلال شهر رمضان بنسبة خلافين فقط طوال الشهر، بدلا من سبعة خلافات في الأشهر العادية، ومن ثم وجه علماء النفس نصيحتهم للأزواج لكي يستغلوا هذا الشهر ويجعلونه شهر عسل يمتلئ بالحب والإيمان والطاعة.
- الابتعاد قدر الإمكان عن عادة التدخين واعتبار شهر الصيام الفضيل فرصة للتخلص من هذه العادة السيئة المضرّة بالصحة، فهو لا يعزز فقط صحتكِ العامة ولكنه يساعد على تعزيز الصحة الجنسية.
- اعملي على تغيير العادات السيئة خلال شهر رمضان والتي تشكو منها الكثير من الزوجات، مثل عصبية الزوج الغير مبررة بسبب الانقطاع عن تناول الطعام والشراب، أو تناول كوب من الشاي أو القهوة وخاصة الرجال المدخنين لأن العادات السيئة من شأنها أن تغير من الحالة المزاجية لأي شخص، وتصيبه بالتوتر والغضب.
- إن الصيام يعد تدريبا عمليا على ضبط النفس وكبح الشهوات والإحساس بالآخر بأن يمسك لسانه عن الفواحش، وأن يغض البصر، وأن يمسك يديه عن البطش والضرب، وتعويد النفس على الصلاة، والذهاب للمسجد، وقراءة القرآن، والتقرب من الله، ويهذب سلوكه وينشرح صدره، مؤكدا أن شهر رمضان فرصة ذهبية لتنمية العلاقات العائلية وتقويتها من خلال التوافق وتنمية علاقة المحبة من خلال المشاركة في كل شيء.
- لا تقترب المرأة من زوجها ولا يقترب الزوج من زوجته الغرائز أو إظهار مفاتن جسدها بما يثير، لأن الصوم هو إمساك النفس عن المفطرات من الطعام والشراب وكذلك العلاقة الزوجية.
- الحرص في التعامل بين الزوجين، فعليهما معاملة بعضهما بطريقة حسنة ولكن دون الاقتراب من العلاقة الخاصة، لأنه ليست هناك علاقة خاصة خلال نهار رمضان إلا بين العبد وربه.
حدود العلاقة بين الزوجين خلال الصيام
حدد الرسول “محمد صلى الله عليه وسلم” العلاقة بين الزوجين خلال نهار رمضان بحسب التفاوت بين الأشخاص، حيث يقيس الإنسان نفسه، وأهمها لافتا إلى:
إن الزوجين يمكنهما التعامل بطريقة طبيعية خلال الصيام مع الحرص على عدم الاقتراب من بعضهما بما يبطل الصوم، مشيرا إلى أن علاقة الزوج بزوجته في نهار رمضان، شأنها كشأن علاقته بالطعام والشراب، فلا يقترب من زوجته لغرض قضاء الشهوة.
فيما يخص مقدمات الجماع كاللمس والتقبيل والضم والمباشرة ونحوها فيفضل تجنبها، لأنها من الشهوة التي امتدح الله الصائم بتركها والتقرب منه سبحانه وتعالى، ويظهر ذلك من خلال قوله في الحديث القدسي: “يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي” متفق عليه، لافتا إلى أن هذه المقدمات ليست في مرتبة واحدة لكنها قد تتسبب في إفساد الصوم.
يشترط على الزوج ألا ينجرف وراء تقبيل زوجته، وهذا الفعل يسمى مباشرة وهي محرمة على الصائم، لأنه يريد الفطر المتعمد المسمى هلكة والموجب للكفارة العظمى، لما رواه أبو داود عن أبي هُرَيْرَةَ: “أنّ رَجُلاً سَألَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المُبَاشَرَةِ لِلصّائِمِ، فَرَخَصّ لَهُ، وَأتَاهُ آخَرُ فَسَألَهُ فَنَهَاهُ، فإذَا الذي رَخّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَالّذِي نَهَاهُ شَابّ”.
وفي النهاية يجب التأكيد على أن شهررمضان هو فرصة رائعة للإنسان للتقرّب من ربه والقيام بجميع العبادات بكل حب ومودّة دون التقصير بالواجبات الأخرى تجاه الأسرة، والتنويه إلى أن الإلتزام بالعلاقة تزيد الحب وتقوي الروابط بين الطرفين.
تعليقات
إرسال تعليق