تعتبر المكانة السياسية لقرية “الغجر” وسكانها هي من أكثر المشاكل تعقيدا ضمن حالة التوتر السائدة بين كل من سوريا، ولبنان وإسرائيل.
فهي تقع على السفوح الغربية لجبل الشيخ في هضبة الجولان، على مثلث الحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية.
فسكانها سوريون أصلا، غالبيتهم لبنانيون جغرافيا، وجميعهم إسرائيليون بحكم الأمر الواقع، ولكن مالذي يجعلها فريدة في تعقيدات وضعها الحدودي؟.
مشكلة هذه القرية في الأساس هي أنه “لم يحسم إنتمائها الجغرافي في ترسيمات الحدود حتى خلال الإنتداب الفرنسي للبنان وسوريا،ومع ذلك فإن سكانها هم سوريون أصلا من الطائفة العلوية.
كانت بداية التعقيدات في هذه القرية عندما سقطت “هضبة الجولان” بيد “الجيش الإسرائيلي” في حرب عام 1967،حينها توقف “الجيش الإسرائيلي” عند هذه القرية معتبرا أنها “أراضي لبنانية حسب الخرائط التي يملكها”.
اللافت أن احتلال هذه القرية تأخر أكثر من شهرين مع تردد “الجيش الإسرائيلي” بدخولها، إلا أنه “بسط سيطرته عليها بعد ذلك بطلب من سكانها على إعتبار أنهم سوريون وجزء من الجولان”.
في عام 1981وبعد ضم الجولان رسميا إلى إسرائيل حصل سكانها على الجنسية الإسرائيلية، وبعد إحتلال إسرائيل للجنوب اللبناني توسعت القرية باتجاه الشمال، أي في عمق الأراضي اللبنانية في الوقت الذي يدعي سكانها أن “تلك الأراضي تتبع قريتهم أيضا”.
بعد الانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000،قامت “الأمم المتحدة” بترسيم الحدود بما يسمى (الخط الأزرق)، بموجب قرار مجلس الأمن 1701، وبذلك أصبح “الشطر الشمالي” خارج سيطرة الإسرائيلية التي تركزت خلف “الشطر الجنوبي”، وأصبحت بعض العائلات منفصلة بين الشطريين،ومع ذلك لم يتمكن “الجيش اللبناني” من دخول القرية بل انتشر على تخومها.
عام 2005 كان مفصليا في تاريخ هذه القرية، بعد أن نفذ “حزب الله” لبناني عملية تسللا داخل القرية لخطف جنودا إسرائيلين.
ولاحقا اندلعت حرب عام 2006 بين حزب الله والجيش الإسرائيلي،وعلى إثر ذلك عاد “الجيش الإسرائيلي” للانتشار في “الشطر الشمالي” منعا لانطلاق عمليات ضده منه.
وفي عام 2010أعلنت إسرائيل نيتها الانسحاب من “الشطر الشمالي” على أن تسلمه “للقوات الدولية (يونيفيل)”، وهو كما لقيا معارضة لبنان الذي طالب ببسط السيادة الكاملة على تلك المنطقة بما فيها (مزارع شبعا) القريبة أيضا.
القرار “الإسرائيلي” أثار احتجاجات واسعة بين سكان القرية الذين رفضوا قرار”الانسحاب والتقسيم”،لكنها لم تنفذ قرارها لليوم وتبرر إسرائيل عدم تنفيذها لقرار الانسحاب من الجزء الشمالي خشيتها من سيطرة التنظيمات المسلحة اللبنانية عليها واستخدامها لشن هجمات ضدها بالإضافة لتمسكها باحتلال هضبة الجولان وكلها عوامل تعزز المماطلة بالانسحاب.
وفي الوقت الحاضر يعيش حوالي 600 شخص في “الشطر الجنوبي” الإسرائيلي، بينما يعيش حوالي 1900 آخرين في “الشطر الشمالي” اللبناني، حيث يتلقون خدماتهم من إسرائيل ويعيشون تحت مراقبتها الأمنية.
عند الدخول لهذه القرية تشعر للوهلة الأولى وكأنك داخل لثكنة عسكرية أوقاعدة أمنية، ولها مدخل وحيد أما وصول زائر لهذه القرية يحتاج لإذن خاص من الجيش الإسرائيلي أما سكانها يعانون من التفتيش الدقيق عند الدخول والخروج.
وأمام هذا الواقع يرى سكانها أنهم يعيشون حياة غير عادية بين البحث عن لقمة العيش في المناطق الإسرائيلية، والإنتماء للجانب الآخر والرغبة من التحرر من الإحتلال.
التاريخ لسوريا أما الجغرافية باتت للبنان والواقع والحياة اليومية والسياسة يتحكم بها الإحتلال الإسرائيلي للجولان.
سكان قرية “الغجر” إذا تمزقت هويتهم بين ثلاث حدود وانتماءات،ويعيشون فوق ذلك كله، عزلة بين قدر قريتهم أن تكون من الأوقات الساخنة في أي اشتباكات تقع على الحدود، هذا هو الواقع الذي تعيشه قرية الغجر بانتظار مستقبل مجهول تتحكم به ظروف المنطقة.
تعليقات
إرسال تعليق