مشاهد خالدة في ذهن كل إنسان عربي وفي وجدان كل مسلم، بصمةٌ تركها خلال مسيرةٍ فنيةٍ طويلةٍ انتهت بسبب الغدر والإرهاب، مصطفى العقاد أيقونة فنية عالمية إسلامية بتوقيع عربي.
مصطفى العقاد.. ولادته ونشأته
ولد مصطفى العقاد عام 1930 في مدينة حلب، حيث ساوره حلم الشهرة والوصول إلى هوليوود وهو في الرابعة عشر من عمره وتعرّف على السينما من جار قريب له يعمل في هذا المجال، بدأ الجميع يسخرون منه معتبرين أنه ساذج ولن يصل مبتغاه، تخرج من المعهد العلمي وعمل سنة كاملة للحصول على ثمن تذكرة السفر على أمريكا.
بالرغم من كل كلام السخرية لم ييأس مصطفى العقاد وأحضر كتبا كالتي تُدرس في الجامعات الأمريكية في مجال الإخراج وقام بدراستها وفهمها قبل مغادرته لأمريكا، كان والده معارض لهذه الخطوة والدخول لمجال الإخراج، ولكنه في النهاية سانده وشجعه لتحقيق هذا الحلم.
جاء يوم السفر وصحبه والده للمطار وودعه ووضع في جيبه مئتا دولار وقرائاً في جيبه الآخر.
مصطفى العقاد.. بداية المشوار
وصل العقاد إلى كاليفورنيا ليبدأ حياة جديدة ويبدأ الحلم الذي راوده حيث درس في جامعتها وتفوق على كل زملائه؛ ولا يزال اسمه بين قائمة المتميزين في هذه الجامعة، التحق مصطفى العقاد بالجامعة ودرس الإخراج السينمائي ،وبدأ بالإنخراط في هذه المهنة وكانت البداية بفيلم “قصر الحمراء” الذي أخذ عليه الجائزة الأولى، أسس رابطة الطلبة العرب ورأسها ونشط بالمركز الإسلامي بلوس أنجلس ونظم تظاهرات للتعريف بالثقافة العربية الإسلامية، كان مصطفى العقاد معتزاً بهويته الإسلامية وتربيته المحافظة في عائلة مسلمة وقال في إحدى المقابلات ” تربوياً ودينياً كنت غنياً جداً ولم أعرف قيمة هذه التربية إلا عندما احتككت بالمجتمع الغربي هناك وأصبح لدي تعصب أكبر للدين وللتربية العربية”، وبعد ذلك عمل في شبكة لإعداد مجموعة أفلام وثائقية بعنوان (كيف يرانا العالم؟)، جاب خلال تصويرها مناطق عديدة في العالم، وهذا ما أكسبه معرفة بالثقافات المختلفة والمتنوعة يطلع فيها المشاهد الأمريكي على أماكن يجهلها مع تركيز مباشر على البلاد العربية.
السينما في حياة مصطفى العقاد
كان مصطفى العقاد يطمح إلى أن يُعرّف العالم بالدين الإسلامي، وأنه الدين المكمل للديانات السماوية الأخرى، حيث رأى أن الطريق الصحيح لذلك هو شاشة السينما والإعلام، لذلك بدأ مصطفى العقّاد بالعمل على مشاريع سينمائية ضخمة هدفها إرسال رسائل واضحة عن دين الإسلام المتسامح.
وجاء فيلم “الرسالة” الذي يتحدث عن نشأة الإسلام من خلال السيرة النبوية الشريفة الإنتاج السينمائي الضخم الحلم الذي كافح سنوات للوصول إليه، متحدياً بذلك كل المحاولات لتشويه صورة نبي الإسلام “محمد صلى الله عليه وسلم” التي عرقلت الإنتاج والعرض وعرّضت حياته للخطر وقال حينها في مقابلة أجريت معه عام 1976: “لقد صنعت هذا الفيلم لأنه كان موضوع شخصي بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام، إنه دين ل 700 مليون إنسان في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، مما فاجأني، لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب”.
الإصرار والعزيمة لإيصال فكرته جعلته يخرج تحفةً سينمائيةً خالدةً بكافة المقاييس، كان هذا الفيلم السبب في دخول نحو عشرين ألف شخص إلى الإسلام!، قدّم مصطفى العقاد نسختين عن الفيلم نسخة عربية وأخرى أجنبية.
فيلم الرسالة
بعد النجاح الباهر الذي حققه تطلع نحو رسالة إسلامية أخرى ليقدمها ووقع الإختيار على قضية المجاهد الشهيد الليبي “عمر المختار” ليغير الصورة التي اتخذها الغرب عن المجاهدين واختار لهذا الفيلم بطلاً إيطالياً وهو أنتوني كوين وعندما سألوه: “لماذا لم تأت ببطل مسلم ليجسد دور عمر المختار وأتيت بالنجم (انتوني كوين) ؟ قال لهم: (لكي يقتنع الغربيون بقضيتنا وبالظلم الذي لحق بنا لا بد من تقديم قضيتنا من خلال وجوه يعرفونها ويحبونها، فلا أحد في الغرب سيشاهد فيلماً عن العرب يقوم به العرب، ولكن بهذه الطريقة نقوم بلفت نظرهم وحثهم على مشاهدة ما نقدمه وبالتالي تفهم حقيقتنا ومعرفة قضايانا”.
فكان هذا الفيلم رائعةً أخرى في تاريخ مصطفى العقّاد “أسد الصحراء” تحدّث فيه عن عمر المختار الذي حارب الاستعمار الإيطالي لليبيا في أوائل القرن العشرين، أُنتج عام 1981 وتم إنتاج الفيلمين من قبل ليبيا والمغرب مع دعم من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، إلا أن الأخير تخلى عن دعمة للمشروع بعد ضغط مارسته السعودية بسبب رفضها لمحتوى الفيلم، الذي كان من المفترض أن يتم تصويره في المغرب.
لكن بسبب التهديد السعودي بقطع العلاقات مع المغرب، تم الانتقال الى ليبيا، لإستكمال التصوير وبعد كل هذه التحديات استطاع العقّاد اثبات اسمه على أنه علامة عربية فارقة في تاريخ السينما العالمية.
بالإضافة إلى إلى سلسلة الهالويين حيث اختار العقاد هذا المضمار بسبب معرفته بماهيّة الشعب الأمريكي و حبه لأفلام الرعب ، فكان نجاح هوليوودي بطعم آخر بنكهة عربية.
أسد الصحراء (عمر المختار)
مصطفى العقاد.. الكنز السينمائي الذي تركه
الرسالة (النسخة العربية) بطولة: عبد الله غيث، منى واصف (1976).
الرسالة (النسخة الإنكليزية) بطولة: أنتوني كوين، إيرين باباس (1976).
هالووين (1978).
أسد الصحراء (عمر المختار): أنتوني كوين، إيرين باباس، أوليفر ريد (1980).
هالووين 2 (1981).
هالووين 3 (1982).
إنتاج فيلم موعد مع الخوف (1985).
هالوين 4: “عودة مايكل مايرس” (1988).
هالوين 5: “الثأر لمايكل مايرس” (1989).
هالوين: “لعنة مايكل مايرس” (1995).
هالووين اتش20: بعد 20 سنة (1998).
هالووين: القيامة (2002).
زواج مصطفى العقاد
تزوج مصطفى العقّاد من امرأة أمريكية تدعى باتريسيا حاصلة على شهادة الماجستير في اللغة والآداب، ولكنهما انفصلو بعد فترة لأن القانون الأمريكي لم يكن يسمح بالجمع بين زوجتين.
أما زوجته الثانية فهي سهى العشي سورية الجنسية وجاء هذا الزواج لتأكيد مصطفى العقّاد على التمسك بالهوية الوطنية والعربية.
وفاة مصطفى العقاد
غادر مصطفى العقّاد عالمنا بطريقة كانت عكس ما قدمه طوال مسيرته الفنية عكس رسالة التسامح التي قدمها للعالم، حيث عملت أيادي الغدر على قنصه واغتياله كان يستقبل ابنته من السفر فاستقبله الموت في بهو الفندق، 5 نوفمبر عام 2005 شهد تفجيرا إرهابياً في العاصمة الأردنية ماتت إبنته بالحال أما هو فبقي يصارع يومين حتى مات متأثراً بجراحه.
كان مصطفى العقّاد يستعد لانتاج فيلمين ضخمين لا يدنون عن الإنتاج الذي قدمه أحدهما عن فتح الأندلس والآخر عن صلاح الدين الأيوبي وحقيقة الحملات الصليبية، فقال مصطفى العقاد عن فيلمه الذي سيتحدث عن صلاح الدين الأيوبي: “صلاح الدين يمثل الإسلام تماماً. الآن، الإسلام يُصور كدين إرهابي حصل الدين كله على هذه الصورة بسبب وجود عدة مسلمين إرهابيين. إذا كان هناك دين ممتلئ بالإرهاب، فيمكن قول ذلك عن المسيحية أيام الحملات الصليبية. لكننا في الواقع لا يمكننا لوم المسيحية كدين بسبب مغامرات بعض أتباعها آنذاك. هذه هي رسالتي”.
رحل مصطفى العقّاد تاركاً خلفه كنزاً فنياً جعله يدخل العالمية من أكبر أبوابها ، مات وفي قلبه رسالة إنسانية ساميّة جابت الكون كله بكل محبة، أعنز بدينه وقيمهِ العربية واتخذها منهجاً ومشى عليه مفتخراً.
وثائقي عن مصطفى العقاد
تعليقات
إرسال تعليق