كثيرة هي أنماط الحياة في القرن الواحد والعشرين، ومنها ما أوجب علينا إتباع أسلوب غذائي معين، للتخفيف من الضغط أو لإكتساب بعض من الوقت سواءً في المنزل أو في العمل والإعتماد على الأطعمة المنتشرة في الأسواق، فأصبحت الوجبات السريعة الحل المسعف لكثير من الحالات والأوقات.
أول ما يتبادر الى أذهاننا عند ذكر الوجبات السريعة هي الشاورما ، وربما يمكننا القول ملكة الوجبات السريعة، ذات صيت لاذع في كل أنحاء العالم من المشرق إلى المغرب فهي وجبة عابر للحدود، فمن هو صاحب هذه الفكرة وكيف انتشرت وأصبحت بهذه الشهرة؟
الجذور التاريخية للشاورما
ترجح أغلب الأقوال التاريخية أن الشاورما تُنسب إلى تركيا وتحديداً ولاية بورصة، ففي سنة 1830 ميلادية قام مطعم “اسكندر أفندي” باختراع طريقة المنقل العامودي بدلاً من الأفقي التي سمحت بوضع سيخ اللحمة بشكل عامودي وقد قال: “أنه اخترع هذه الطريقة لتحافظ اللحمة على العصارة الدهنية قدر المستطاع، والتي يمكن أن “تفقدها في حال وضعها بشكل أفقي”، وتشير الروايات إلى أن الإسم القديم للشاورما كان “çevirme ” التْشِڤرمِه، والذي تعني باللغة التركية “الدوران” استناداً الى الشكل الذي يدور به السيخ، وما زالت اليوم وتسمى في بورصة اسكندر كباب “İskender kebap”.
التنافس التاريخي على الشاورما
بعض السوريين لهم رأي آخر حيث أنهم ينسبون الشاورما لسوريا، وخاصة عاصمتها دمشق “الشام” مستشهدين بالتوابل والبهارات العربية التي توضع عليها، بالإضافة لإستخدام الخبز السوري، ولكن الأتراك عارضو وقالوا أنها انتقلت لسوريا عن طريق الحجاج الأتراك الذين كانوا يذهبون للحج مروراً بسوريا، فقد أخذوا عنهم طريقة الطهو بوضع اللحم على السيخ العمودي، وفي سنة 1906 افتتح المعلم “صديق الخبّاز” مطعم للشاورما في ساحة المرجة بعد أن انتقل من بورصة من مطعم “اسكندر أفندي” في بورصة، حاملاً معه سر هذه الوصفة الشهيرة مضيفاً إليها نكهة الهال التي تُميّز الشاورما السورية، وكان أول محل شاورما في سورية.
أما بعض القبائل الجزائرية فيقولون أن “الشاورما تعود بأصلها لهم بالرغم من بعض الإختلاف في طريقة التحضير إلا أنها تشبه الشاورما التي نعرفها”، أما في العراق فيوجد أيضاً شاورما تسمى “القص” ويكمن الاختلاف بالحجم الهائل الذي يتميز به السيخ الذي قد يصل ارتفاعه إلى المتر والنصف.
انتقال الشاورما إلى أوروبا
أوّل محل شاورما في لندن افتتحه مهاجر يوناني سنة 1966 يقدّمها على الطريقة اليونانية، كذلك قدّمها اليونان في نيويورك لأوّل مرّة سنة 1971.
أوّل محل اسكندر كباب في ألمانيا افتتحه مهاجر من بورصة سنة 1969 في مدينة “رِوتلينگِن” -Reutlingen جنوب ألمانيا، وهناك بعض الدول تعتبر أنَّ قدير نورمان، وهو ألماني من أصول تركية، هو المخترع الأساسي للشاورما، أو ما يعرف بألمانيا باسم “دونير”.
وبدأ قدير الذي يسمى بـ”أبو الشاورما” في بيعها إلى الألمان سنة 1973، داخل أحد أفران الخبز في برلين، وكان سبباً أساسياً في شهرتها هناك، بينما انتشرت الشاورما في ألمانيا من برلين الغربيّة سنة 1972 من العمّال الأتراك.
وأظهرت بعض الدراسات أن “الشاورما ذات إقبال كبير أيضاً في المطاعم الألمانية، بل تلعب دوراً هاماً في تنشيط الإقتصاد الألماني”، وتنتشر الكثير من المعامل والمصانع الخاصة في إنتاج الشاورما ويظهر كذلك حجم المطاعم التي تروج لبيع هذه الوجبة التي أصبحت في ألمانيا أكثر استهلاكاً من الهمبرغر وغيره من الوجبات السريعة.
طريقة تقديم الشاورما
لم يكن من الشائع تقديم الشاورما أو التْشِڤرمِه ملفوفة بشرائح من الخبز كما هي اليوم ، بل كانت تقدّم ومنذ بداية ظهورها، في طبق وإلى جانبها وجبة من الأرز البخاري پيلاڤ (پيلاو)، واستمرّت هذه العادة حتى وصلت التْشِڤرمِه إلى دمشق وإسطنبول، حيث قدّمها مطعم صدّيق في دمشق خلال أربعينيات القرن العشرين، ملفوفة بخبز الصاج العربي ومقطّعة، إلى جوار وجبة من السّلطة الشاميّة، فظهرت لأوّل مرّة وجبة الشاورما العربي.
بينما قدّمها المعلّم “بيى تي گُلر” في استنبول سنة 1960 ملفوفة بطبقة من خبز التنّور التركي لتنال اسمDürüm أي ملفوفة، وشاعت هذه الطريقة تنتشر في عموم اسطنبول خلال الستينيات.
ثمّ وفي حيّ “Kreuzberg” الحدودي في برلين، خلال سبعينيّات القرن العشرين، أضيفت سلطة الملفوف (الكرنب) لأوّل مرة إلى سندويشة الشاورما واستخدم في تحضيرها خبز پيتا العربي، إضافة إلى جبنة الفيتا اليونانيّة والشطّة المكسيكيّة، لتولد شاورما برلين “Berliner Döner”، ولـ تصبح بعدها المأكول الشعبي الأوّل في ألمانيا وأوروبا.
التطور الذي طرأ على الشاورما
كانت الشاورما تعد في البداية من لحم الحمل فقط ، وبعد الانتشار الواسع لها بدأ الناس يعدونها من لحوم مختلفة، فمنذ ستينيات القرن الماضي بدأت تحضر من من لحم البقر والدجاج والديك الرومي والعجل والخنزير، وأخيراً في دمشق وفي تطور لافت تم تقديمها عن طريق لحم السمك لأوّل مرّة سنة 2005، كذلك كانت دمشق أول من قدم الشاورما بلحم الدجاج أوّل مرة.
الأهمية الكبيرة للشاورما
طرأ على الشاورما ذات الأصل التركي تطور كبير من حيث التحضير أو طريقة التقديم أو نوع اللحمة المستخدمة لذلك تعد الشاورما من أكثر الإستثمارات المربحة بسبب الرواج الكبير عليها وبين الناس، وحيث أنها تعود بفوائد اقتصادية كبيرة في الدول التي اشتهرت بها كسوريا وتركيا، لذلك تعد الشاورما بمذاقها الشهي “الذي لا يختلف عليه إثنان” أشهى نوع من الوجبات السريعة بالنسبة لي ولكم أيضاً.
تعليقات
إرسال تعليق