يصادف الأحد 28 فبراير/شباط ذكرى مرور 24 عاماً على الانقلاب الذي شهدته تركيا عام 1997، وأُطلق عليه “انقلاب ما بعد الحداثة”، والذي أطاح بالحكومة الائتلافية بقيادة الزعيم الراحل، نجم الدين أربكان.
واتُهمت الحكومة الائتلافية التي تأسست في 28 يونيو/ حزيران 1996، والمكونة من حزبي “الرفاه” بزعامة أربكان و”الطريق القويم” بزعامة تانسو تشيلار، بـ “تشكيل خطر على النظام” و”دعم الرجعية”، بعد فترة وجيزة من تسلمها مهام عملها.
وفي 28 فبراير / شباط 1997، أصدر مجلس الأمن القومي في تركيا – بضغوط من كبار قادة الجيش- سلسلة قرارات بدعوى حماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية، مما تسبب في الإطاحة بالحكومة الائتلافية آنذاك.
وفي 16 أغسطس / آب 1997، صادق البرلمان التركي على قرارات التوصية الصادرة من اجتماع مجلس الأمن القومي، لتشهد تركيا بعدها مرحلة “انقلاب ما بعد الحداثة.”
واعتُبر التدخل العسكري آنذاك بمثابة انقلاب عسكري غير مُعلن، وُصفت لاحقاً بأنها “وصمة عار” في تاريخ تركيا السياسي.
وكان لانقلاب ما بعد الحداثة تأثيرات كبيرة على الحياة السياسية والاجتماعية على حد سواء، كما أثر على حياة عشرات الآلاف من المواطنين عمليا واجتماعياً وقضى على طموحات وآمال الآلاف.
وكانت النساء المحجبات أكثر من تصررن من “انقلاب ما بعد الحداثة” وتأثيراته.
آيسل ياشار ممثلة ولاية ديار بكر بمنتدى نساء 28 شباط، كانت واحدة من السيدات اللاتي عاصرن فترة الانقلاب واللاتي تضررن نتيجة الانقلاب وآثاره.
وفي مقابلة مع الأناضول، روت ياشار معاناتها خلال تلك الفترة وكيف تأثرت حياتها الدراسية وكيف حُرمت بسبب الانقلاب من تحقيق حلمها في أن تصبح معلمة.
عن تلك المعاناة، قالت يشار إنها كانت وقت فترة الانقلاب طالبة بالصف الثالث بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة دجلة، وإن بعض المدرسين بالجامعة بدأوا يمنعوها من حضور المحاضرات بسبب ارتداء الحجاب والبعض الآخر كانوا يطردونها من قاعة المحاضرات.
وأضافت أنها اضطرت لترك التعليم بسبب حجابها.
عدت للجامعة بعد 14عاماً
وأشارت يشار إلى أنها كانت تحلم بأن تكون معلمة عقب تخرجها في الجامعة إلا أن أحلامها “سُرقت” منها بسبب الانقلاب.
وأوضحت أنها لم تتمكن من العودة للجامعة إلا عام 2011 وهي أم لثلاثة أطفال، وأنها كانت دائما ما تحلم بالعودة إلى الدراسة بالجامعة.
وتابعت: “تمكنت من العودة للدراسة بفضل التغييرات التي أجرتها حكومات حزب العدالة والتنمية”، وتخرجت عام 2014 وهي في سن الأربعين.
وأكدت يشار أنها ستواصل الحديث عن انقلاب 28 شباط والظلم الذي وقع عليهن بسببه، في كل المحافل وفي كل المناسبات حتى يعرف الناس معاناتهن خلال تلك الفترة وكيف تعرضن للاضطهاد والظلم بسبب ارتدائهن الحجاب.
أما “سما أونال أكسل”، فقالت إنها كانت معلمة متدربة بإحدى المدارس الابتدائية في أنقرة أثناء الفترة التي أعقبت انقلاب 28 شباط وتم استبعادها من عملها بسبب حجابها.
وفي حديثها للأناضول، أضافت أنها تخرجت بالجامعة بالمركز الأول ثم عُينت في أبريل/ نيسان 1998 وفي إحدى الأيام وهي لا تزال تحت التدريب تم استدعاؤها وهي بالصف وذهبت لمكتب مدير المدرسة لتجد بعض المفتشين الذين سألوها عن سبب ارتدائها الحجاب.
ووفق “أكسل”، فإنها أخبرتهم بأنها ترتدي الحجاب لأن دينها يأمرها بذلك إلا أنهم حاولوا إقناعها بخلع الحجاب ثم أخبروها أنه لن يمكنها دخول المدرسة بعد ذلك بالحجاب.
وروت معاناتها في تلك الفترة قائلة إنهم أبعدوا المحجبات وكأنهن مصابات بمرض معد، وإنها كانت دائما تبكي في الطريق من وإلى المنزل.
وتابعت: “لم استسلم.. وذهبت إلى مدير المنطقة التعليمية بأنقرة ولكنه كان قد فُصل من العمل. فحاولت تقديم الاستقالة ولكنهم لم يأخذوها أيضاً وبتلك الطريقة تم فصلي من العمل”.
العودة للعمل بعد 15 عاماً
وأوضحت “أكسل” أنها أمضت عامين تحاول العودة للعمل، ولكنها لم تتمكن من ذلك إلا بعد 15 عاماً بعد حزمة القوانين التي أصدرها البرلمان التركي عام 2013.
واستطردت: “في أول يوم لي بالمدرسة بعد العودة إلى وظيفتي لم أستطع أن أتمالك نفسي من البكاء بمجرد دخولي الصف، كنت أتمنى أن أصبح معلمة وأخدم بلدي وأساهم في تنشئة تلاميذ متفوقين، كلما تذكرت تلك الأيام (أيام الانقلاب) أشعر بنفس الألم الذي عشته حينها”.
وأكدت أكسل أنها وزميلاتها سيواصلن الحديث عن معاناتهن بسبب انقلاب 28 شباط وستواصلن المطالبة بكافة حقوقهن عن تلك الفترة.
وأعربت عن شكرها لحكومات العدالة والتنمية على جهودها من أجل عودتهن لوظائفهن مرة أخرى.
“إيلكنور داشدلن” إحدى من تعرضن للظلم بسبب انقلاب 28 شباط، روت معاناتها بالقول إنها فُصلت من المدرسة الثانوية مرتين بسبب ارتدائها الحجاب، كما تم طردها من امتحان القبول بالجامعات تسع مرات للسبب نفسه.
وأضافت للأناضول، أنها كانت في الصف الثاني الثانوي وكان الضباط هم من يدخلون الصف لشرح مادة الأمن القومي، وأنهم أخبروا الطالبات بأنه لا يمكنهن حضور هذا الدرس وهن مرتديات الحجاب، وعقب ذلك بدأوا يضغطون عليهن لخلع الحجاب في كل الدروس حتى في درس القرآن الكريم، ومنعوا من يرفضن ذلك من دخول الصف وحضور أي درس.
وأشارت داشدلن إلى أن الضباط الذين كانوا يدخلون الصف لتدريس مادة الأمن القومي حاولوا إقناعهن بخلع الحجاب وبأن ارتدائه ليس من الدين.
وذكرت أنهن حين رفضن خلع الحجاب أحضروا لهن الشرطة للمدرسة وبعد ذلك تم منعهن من دخول المدرسة.
وأوضحت أن المدرسة أرسلت لها تحذيراً وفصلتها مؤقتاً لإصرارها على دخول الصف بالحجاب وبعد ذلك تم فصلها نهائياً.
وذكرت داشدلن أنهن لاحظن ذات يوم وجود أعداد كبيرة من أفراد الجيش والشرطة حول المدرسة فظنن أن هناك تهديدات بحدوث عمل إرهابي لكن علمن أن القوات متواجدة لمنعهن من دخول المدرسة وأنهم أشهروا في وجههن السلاح وعاملوهن بعنف.
ولم تتمكن المتحدثة من دخول أي مدرسة في إسطنبول ولم تجد مدرسة تقبلها سوى واحدة في ولاية مانيسا غربي تركيا ذهبت إليها لمدة ثلاثة شهور ثم تخرجت من المدرسة الثانوية.
طرد بالقوة من امتحان القبول بالجامعة
وذكرت داشدلن أنها حاولت كثيراً دخول الجامعة ودخلت امتحانات القبول لكنها كانت تُطرد من الامتحان وتقوم الشرطة بإخراجها بالقوة بسبب ارتدائها الحجاب وأحيانا كان يتم رفض طلب تقدمها للامتحان لتقديمها صورة بالحجاب في باستمارة التقديم، واستمرت على ذلك الحال عدة سنوات، ولم تتمكن من دخول الامتحان والقبول بالجامعة إلا بعد عشر سنوات.
اضطررت للسفر والدراسة خارج تركيا
أرزو تاتلي واحدة من ضحايا انقلاب 28 شباط، حيث اجتازت امتحان القبول بالجامعات والتحقت بكلية الطب جامعة إسطنبول عام 1997 لكنها لم تتمكن من إتمام إجراءات القيد بالجامعة بالفصل الدراسي الثاني لكونها محجبة فاضطرت للسفر إلى ألمانيا ودراسة الطب هناك، ثم عادت بعد سنوات إلى تركيا بعد أن أصبحت طبيبة.
تاتلي قالت للأناضول، إنهم حاولوا في البداية فيما يُسمى بـ”غرف الإقناع” بالجامعة أن يقنعوها بخلع الحجاب حتى يمكنها مواصلة تعليمها.
وأضافت أنهم كانوا يحاولون استمالة الطالبات لهم بأنهم سيقدمون منحا دراسية ولكن بعد أن يروا إصرارهن على عدم خلع الحجاب كانوا يقومون بتهديدهن ومعاملتهن بقسوة.
وأوضحت أنها اضطرت بعد ذلك للسفر إلى ألمانيا ودراسة الطب هناك وتخرجت عام 2008 ثم عادت إلى تركيا وتعمل الآن طبيبة في إسطنبول.
أما نفين أونر قاراقوش، فاضطرت إلى ترك الجامعة وهي بالصف الثالث بعد وقوع انقلاب 28 شباط، لعدم تمكنها من دخول الجامعة بالحجاب.
وقالت للأناضول إنها كانت طالبة بكلية الآداب جامعة إسطنبول وكانت حياتها الدراسية تسير بشكل جيد جداً حتى جاء انقلاب 28 شباط وتغير معه كل شيء.
وأضافت أنهم حاولوا إقناعها أيضاً بشتى الطرق حتى تخلع الحجاب، ثم أخبروها أنها مضطرة للاختيار بين مواصلة التعليم أو ارتداء الحجاب ولكنها أصرت على موقفها وأخبرتهم أن الحجاب يمثل هويتها الإسلامية وأنها لن تتخلى عنه.
وأشارت إلى أن الطالبات كن ينظمن ووقفات احتجاجية ومسيرات للاعتراض على ذلك إلا أن عدد المشاركات بها قل تدريجيا حتى توقفت تماماً عقب تصريحات فتح الله غول زعيم منظمة غولن الإرهابية التي قال فيها إن الحجاب “مجرد تفرعات” وليس من صميم الدين.
وأوضحت أنه تم فصلها من الجامعة نهائيا ولم تتمكن من العودة للدراسة مرة أخرى سوى عام 2012.
تعليقات
إرسال تعليق